( الصفحة 91 )
بالنهار بدون اختيار; وإن كان أحوط 1 .
1ـ لو استيقظ بعد الصبح محتلماً ففي المسألة صورتان :
الصورة الاُولى : ما إذا علم أنّ جنابته الحاصلة في النوم قد حصلت في الليل قبل طلوع الفجر ، فإن كان الصوم واجباً مضيّقاً يصحّ صومه ; لما عرفت من أ نّ المفطر هو تعمّد البقاء على الجنابة إلى طلوع الفجر ، والمحتلم في النوم ليس بمتعمّد أصلاً ، وقد استثنى منه في المتن قضاء شهر رمضان المضيّق ، واحتاط فيه بالإتيان به وبعوضه بعد انقضاء شهر رمضان الآتي وإن حكم بجواز الاكتفاء بالعوض كذلك ـ أي بعد شهر رمضان ـ على سبيل نفي الخلوّ عن القوّة ، وهو يدلّ على كون احتياطه استحبابيّاً لا وجوبيّاً مطلقاً ، والوجه في الاحتياط واضح .
وأمّا جواز الاكتفاء بالعوض فلبطلان الصوم في القضاء بالإصباح جنباً وإن لم يكن متعمّداً ، كما عرفت ، والمفروض تضيّقه وعدم إمكان الإتيان به قبل رمضان ، فلا محالة يجوز الاكتفاء به بعده ، وإن كان غير واجب مضيّق بل موسّعاً ; سواء كان واجباً أو مندوباً ، فقد فصّل في المتن بينهما بالبطلان في الأوّل إذا كان قضاء شهر رمضان ، وبالصحّة في غيره ، إلاّ أنّه احتاط استحباباً بإلحاق الصورتين بالواجب المضيّق ، والوجه في التفصيل ما عرفت ، وفي الاحتياط واضح .
الصورة الثانية : إذا شكّ في زمان الاحتلام وحدوث الجنابة ، وأ نّه كان قبل طلوع الفجر أو بعده ، أو علم بالوقوع في النهار وبعد طلوع الفجر ، وقد حكم فيها بعدم البطلان في جميع فروضها ، مضيّقاً كان الواجب ، أو موسّعاً ، أو كان مندوباً ، والوجه فيه ـ مضافاً إلى عدم كون الاحتلام من الاُمور الاختياريّة فلا وجه لبطلان الصيام به ـ : الروايات الواردة في هذه المسألة التي عمدتها صحيحة عبدالله ابن ميمون القّداح،عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال :ثلاثة لا يفطرن الصائم : القيء والاحتلام
( الصفحة 92 )
مسألة 11 : من أجنب في الليل في شهر رمضان ، جاز له أن ينام قبل الاغتسال إن احتمل الاستيقاظ حتّى بعد الانتباه أو الانتباهتين ، بل وأزيد، خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ ، فلا يكون نومه حراماً; وإن كان الأحوط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد . ولو نام مع احتمال الاستيقاظ فلم يستيقظ حتّى طلع
والحجامة ، الحديث(1) وتؤيّدها الروايات الاُخر وإن كانت غير نقيّة السند .
ولا يجب عليه البدار إلى الغسل، كما لا يجب على كلّ من أجنب في النهار بدون اختيار ; لعدم الدليل على وجوب البدار وإن كان مقتضى الاحتياط ذلك ، وقد وردفي مرسلة مضمرة قوله (عليه السلام) : إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان فلا ينام حتى يغتسل ، الحديث(2) .
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق الصحيحة ـ وأ نّ الاحتلام بعنوانه لا يكون مفطراً ـ أ نّه لا فرق في ذلك بين الاحتلام غير الاختياري المحض ، وبينه مع الانتهاء إلى الاختيار ، كما فيما لو علم لأجل العادة أو غيرها بأنّه لو نام يحتلم ; فإنّه لا مانع له من النوم ولايكون ممنوعاً منه في النهار ، لإطلاق الصحيحة من ناحية ، وعدم الانصراف فيها بتخيّل اتّصاف الفرد المذكور بالندرة; للمنع صغرى وكبرى ، مضافاً إلى عدم شمول العناوين الممنوعة في الروايات من الجماع أو إتيان الأهل ، أو العبث بها ، أو اللزوق أو أمثال ذلك للاحتلام قطعاً ، فلا وجه لعدم جواز النوم في المورد المفروض ، فتأمّل جيّداً .
- (1) تهذيب الأحكام 4 : 260 ح 775 ، الاستبصار 2 : 90 ح 288 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 103 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 35 ح 1 .
(2) تهذيب الأحكام 4 : 320 ح 982 ، المقنعة : 348 ، وعنهما وسائل الشيعة 10 : 104 ، كتاب الصوم، أبواب مايمسك عنه الصائم ب 35 ح 5 .
( الصفحة 93 )
الفجر ، فإن كان بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ ، أو متردّداً فيه ، أو غير ناو له ـ وإن لم يكن متردّداً ولا ذاهلاً وغافلاً ـ لحقه حكم متعمّد البقاء على الجنابة ، فعليه القضاء والكفّارة كما يأتي ، وإن كان بانياً على الاغتسال لا شيء عليه; لا القضاء ولا الكفّارة . لكن لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط ـ لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتّى طلع الفجر ـ بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته .
ولو انتبه ثمّ نام ثانياً حتّى طلع الفجر بطل صومه ، فيجب عليه الإمساك تأدّباً والقضاء . ولو عاد إلى النوم ثالثاً ولم ينتبه فعليه الكفّارة أيضاً على المشهور ، وفيه تردّد ، بل عدم وجوبها لا يخلو من قوّة ، لكن لا ينبغي ترك الاحتياط . ولو كان ذاهلاً وغافلاً عن الاغتسال ، ولم يكن بانياً عليه ولا على تركه ، ففي لحوقه بالأوّل أو الثاني وجهان ، أوجههما اللحوق بالثاني 1 .
1ـ وقع التعرّض في هذه المسألة لحكم النوم قبل الاغتسال لمن أجنب في الليل في شهر رمضان ; سواء كانت جنابته اختياريّة كالجماع ونحوه ، أو غير اختياريّة كالاحتلام ، وفيه فرضان :
الأوّل : صورة احتمال الاستيقاظ حتى بعد انتباهة أو انتباهتين ، بل وأزيد خصوصاً مع اعتياد الاستيقاظ ، كما ربما يشاهد في بعض الأفراد وفرض تحقّق الاستيقاظ والغسل قبل طلوع الفجر .
وفي هذا الفرض لا يكون نومه حراماً وإن احتاط شديداً ترك النوم الثاني فما زاد ، وسيأتي بيان وجهه إن شاء الله تعالى .
الثاني : لو نام مع احتمال الاستيقاظ فضلاً عن العلم به ، فلم يستيقظ حتى طلع الفجر ، وفيه صور :
( الصفحة 94 )
الاُولى :ما لو كان بانياً على عدم الاغتسال لأجل فسقه وعدم مبالاته بالشؤون الدينيّة والوظائف الشرعيّة ، أو متردّداً فيه ، أو غير ناو للاغتسال وإن لم يكن متردّداً ولا ذاهلاً وغافلاً ، فلا إشكال في كونه من المصاديق الظاهرة لتعمّد البقاء; لعدم الفرق في تحقّق التعمّد بين صورة الاستيقاظ إلى الطلوع وترك الاغتسال قبله ، وبين ما لو كان بانياً على عدم الاغتسال لو استيقظ وإن كان يجري في الثاني احتمال التوبة والعزم على الغسل لو استيقظ قبله ، ولكنّه لا يجدي بالإضافة إلى الوصف الفعلي ; وهو البناء على عدم الاغتسال واستمرار النوم إلى الطلوع .
كما أنّه لا فرق بين صورة البناء على عدم الاغتسال مع الاستيقاظ ، وبين صورة الترديد فيه ، بل وصورة عدم نيّة الاغتسال وإن كانت مع عدم الترديد ; لأنّ الصوم عبارة عن النيّة على ترك المفطرات في الزمن المخصوص مقترناً بقصد التقرّب ، والمفروض في هذه الصور بأجمعها عدم تحقّق النيّة المعتبرة ، فاللازم عليه القضاء والكفّارة على ما تأتي .
الثانية : عكس الصورة السابقة ; وهي ما لو كان بانياً على الاغتسال وعازماً عليه ولكن إستمرّ نومه إلى الطلوع ولم يستيقظ قبله أصلاً ، وفي المتن حكم بأنّه لا شيء عليه لا القضاء ولا الكفّارة ، لكن استدركه بقوله : «لا ينبغي للمحتلم أن يترك الاحتياط ـ لو استيقظ ثمّ نام ولم يستيقظ حتى طلع الفجر ـ بالجمع بين صوم يومه وقضائه وإن كان الأقوى صحّته» إلخ .
أقول : أمّا وجه الصحّة وأنّه لا شيء عليه لا القضاء ولا الكفّارة ; فلأنّه وإن صار جنباً ولو اختياراً ، إلاّ أنّه مع البناء على الاغتسال والعزم عليه واستمرار النوم إلى الطلوع ـ الذي لا محالة يكون أمراً غير اختياري ـ لا وجه للحكم بالبطلان .
نعم ، هنا روايات لابدّ من ملاحظتها .
( الصفحة 95 )
فنقول:
منها : رواية أبي سعيد القماط ، أ نّه سئل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّن أجنب في أوّل الليل في شهر رمضان فنام حتى أصبح؟ قال: لا شيء عليه،وذلك أ نّ جنابته كانت فيوقت حلال(1) . ومقتضى التعليل عدم الفرق بين النومة الاُولى وغيرها ، كما أ نّ مقتضى إطلاق السؤال والجواب عدم الفرق بين الجنابة الاختياريّة وغير الاختياريّة .
ومنها : رواية العيص بن القاسم ، أ نّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان فيحتلم ثمّ يستيقظ ثمّ ينام قبل أن يغتسل ؟ قال : لا بأس(2) . ونفي طبيعة البأس ظاهر في عدم وجوب القضاء ولا الكفّارة ، كما أ نّ موردها النومة الاُولى ، فلا دلالة لها على عدم البأس في غيرها; لعدم الملازمة .
ومنها : رواية سماعة بن مهران قال : سألته عن رجل أصابته جنابة في جوف الليل في رمضان ، فنام وقد علم بها ولم يستيقظ حتى يدركه الفجر ؟ فقال : عليه أن يتمّ صومه ويقضي يوماً آخر ، الحديث(3) .
ومنها : رواية سليمان بن جعفر (حفص خ ل) المروزي ، عن الفقيه (عليه السلام) قال : إذا أجنب الرجل في شهر رمضان بليل ولا يغتسل حتى يصبح فعليه صوم شهرين متتابعين مع صوم ذلك اليوم ، ولا يدرك فضل يومه(4) ، وظاهرها البطلان ، ولاينافي وجوب الإمساك عليه لأجل شهر رمضان ، كما هو المراد من الرواية السابقة ظاهراً .
- (1) الفقيه 2 : 74 ح 322 ،وعنه وسائل الشيعة 10 : 57 ، كتاب الصوم، أبواب ما يمسك عنه الصائم ب 13 ح 1 .
(2) تقدّمت في ص 75 .
(3) تقدّمت بكاملها في ص 77 .
(4) تقدّمت في ص 74 .